2011/08/26

مفهوم التوازن الاقتصادي Economic Balance

التوازن الاقتصادي
التوازن الاقتصادي Economic Balance في الأصل هو تطبيق لمفهوم فيزيائي على الظاهرات الاقتصادية. فهو وصف لحالة تعادلية تتكافأ فيها قوى متضادة تقوم بينها علاقات سببية، فإذا ما تغيرت إحدى القوى زيادةً أو نقصاناً تأثر غيرها تلقائياً أو عمداً تأثراً بعلاقة السببية أو تأثيراً فيها حتى تصل إلى حالة التوازن السابقة أو تبتعد عنها.
والتوازن في اقتصاد ما، هو الوضع الذي يتيح فيه تناسب المكونات الإجمالية تحقيق التصحيح الملائم للتدفقات، وثباتاً في الأسعار تشغيلاً للآلية الاقتصادية. إنه الحالة الاقتصادية والمالية التي تتفاعل فيها قوى جزئية أو كلية أو كلها معاً، إذا ما توافرت شروط وظروف محددة، ويمكن أن يؤدي عدم استمرار أحد هذه الشروط أو نقصها أو زيادتها، مع ثبات غيرها، إلى خلل من خلال العلاقات أو التأثيرات المترابطة بين الوحدات الاقتصادية في الاقتصاد القومي، وقد يطول أجل هذا الخلل أو يقصر إلى أن تحدث أو تستحدث عوامل مضادة تعمل في عكس الاتجاه المخل فيعود التوازن الاقتصادي إلى سيرته الأولى.
من الصعب وضع تعريف شامل ودقيق لتعبير «التوازن». فالتوازن «نسبي»، أي إنه يُعرَّف بالاستناد إلى وضع سابق وظرف دولي معين. وهو «إجمالي» لأن المقصود بالتوازن توازن الاقتصاد بصفته كلاً متضمناً مستوى من الملاءمة بين مجموع القطاعات، لاسيما الاجتماعية منها. ولهذه الأسباب فهو تعبير «معقد» لأنه يرتبط بتحقيق كثير من التوازنات الرئيسة التي تسهم في الحفاظ على التوازن الكلي. ويُشار عادة إلى أن التوازن ليس بالمساواة أو بالمعادلة الرياضية لمكون أو لعدد من المكونات الإجمالية. فمثل هذه المساواة أو المعادلة لا يمكن لها أن تتحقق إطلاقاً في جهاز حي كالاقتصاد. فالتوازن يمكن أن يعد انسجاماً بين القيم والقوى الاقتصادية (أو انعدام عدم التناسب بينها) كأن يقوم الكيان الاقتصادي ـ الاجتماعي بأكمله بالعمل على تلبية الحاجات المعقولة لأعضائه وأن يكون مستعداً لمواجهة الأزمات.
وما من شك أن التوازن هو أحد المفهومات الأكثر عرضة للجدل في العلم الاقتصادي، وهذا يعود إلى كون كل وضع اقتصادي متوازناً ببعض المعايير وغير متوازن بمعايير أخرى. فالأمر يتوقف على الزاوية المنتقاة من المحلل الاقتصادي. فتوازن الاستخدام غير الكامل لدى جون مينارد كينز John Maynard Keynes مثلاً يتناول وضعاً تتحقق فيه مساواة بين العرض والطلب للسلع النهائية مع الاستمرار في وجود فائض في العرض في سوق العمل (البطالة)، كذلك فإن حالة التضخم مع التوازن هي الحالة التي ينعكس فيها تعادل العرض والطلب الإجمالي ليس بثبات الأسعار بل بارتفاعها (الضغوط التضخمية التي تظهر في بعض القطاعات تتجاوز الضغوط الانكماشية في القطاعات الأخرى).
ويمكن تعريف التوازن في الاقتصاد من خلال ثلاثة معانٍ:
- التوازن بوصفه حالة موازنة قوى. وهو المفهوم التقليدي وفي الغالب هو المفهوم (السكوني) للتوازن (المساواة بين العرض والطلب في سوق ما، المساواة بين الاستثمار والادخار وغير ذلك).
- التوازن بوصفه حالة استراحة لنظام أو لجزء من نظام خاضع تبعاً لذلك لوضع استقرار. فمن هذه الزاوية إن كل عدم توازن في سوق ما -أي كل وضع يتحقق فيه فائض في عرض أو طلب بصورة مستمرة- هو وضع توازن إذا ما استمر في الزمن.
- التوازن بوصفه حالة تتحقق فيها التوقعات كاملة. إن التوازن، في هذه الحالة، هو الوضع الذي تتحقق فيه، بصورة تامة، التوقعات التي تتناول المتغيرات الاقتصادية الأساسية. هذا التوجه نجده في الأصل في النظرية النقدية لدى لينداهل Lindahl، وفي تحليل النمو المتوازن لدى هارود Harrod.
المنظور التاريخي
يُعد آدم سميث[ر] Adam Smith ت(1776) أوَّل من بحث في التوازن الاقتصادي إذ كان الهدف من كتابه «ثروة الأمم» تحليل التوازن الاقتصادي العام. وكان يغلب على النظرية الاقتصادية التقليدية إيمان بالتوازن التلقائي الساكن القائم على آلية أتوماتيكية لتحركات الأسعار والأجور بمرونة تامة. وقد جاءت فكرة التوازن الساكن إلى الفكر الاقتصادي منذ قرنين من الزمن لتطبع، منذ ذلك الحين، مختلف المفهومات المتعلقة بالعلوم الاقتصادية. ويمكن إرجاع ذلك إلى ما كان يغلب على النظريات الاقتصادية التقليدية من طابع «السكون والاستقرار» ومن «التلقائية والحتمية» ومن «تجربة الظواهر الاقتصادية وعزلها بعضها عن بعض في محاولة الكشف عن العوامل والفرضيات التي تعمل على التوازن الساكن». ولكن سرعان ما أثبتت أحداث التجربة التاريخية بُعد هذا التطور النظري عن الواقع الفعلي. فقد تعرضت اقتصاديات الدول الصناعية، منذ نهاية القرن الثامن عشر، إلى تقلبات واختلال في التوازن أصر اتباع المدرسة التقليدية بادىء الأمر على النظر إليه على أنه اختلال آني مؤقت. ولكن النتائج الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذا الاختلال من جهة، وردود الفعل المثارة على الحرية الاقتصادية من جهة ثانية دفعت بعض الاقتصاديين التقليديين المحدثين إلى استقراء الأحداث وبناء نظرية علمية للتوازن العام. فقد توصلت المدرسة الهامشية (مدرسة لوزان) مع ليون والراس Léon Walras ت(1834-1910) وتلميذه فلفريدو باريتو[ر]Vilfredo Pareto ت(1848-1923) إلى صياغة نموذج رياضي للتوازن العام يقوم على التوفيق بين مفهومين: مفهوم العلاقات المتبادلة لمختلف الظاهرات في نظام اقتصادي معين، ومفهوم التوازن العام لهذا النظام. وقد انطلقا من المبدأ القائل «بأن القيم الاقتصادية تتحدد بصورة متبادلة لأن هناك تبعية متبادلة عامة بين أسواق المنتجات وأسواق الخدمات المنتجة». وقد أقام هذان الاقتصاديان بالاستناد إلى ظاهرة التبعية المتبادلة هذه فكرة التوازن الساكن، إذ «تكافىء بعض القوى بصورة آلية التجاوزات وتحاول إعادة الوضع السابق». ويظهر «والراس» مثل هذا التوازن بوساطة مخطط اقتصادي مهد باستعماله لاستعمال جداول التبادل بين القطاعات المستخدمة من كثير من الدول اليوم. ويفترض هذا المخطط المقدم من «والرس» و«باريتو» التطبيق الكامل لقواعد المنافسةالتامة. يضاف إلى أنهما لا يأخذان العامل النقدي بالحسبان لأن النقد في نظر هذين الاقتصاديين ومن سبقهما من المدرسة التقليدية هو قطاع ثانوي يستحسن استبعاده عن التحليل النظري.
وبعد أن غلبت نظرية التوازن العام في التحليل الاقتصادي طوال عشرات السنين، بدأت تتعرض منذ المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الثانية إلى انتقادات حادة انصبت بوجه خاص على مخالفة النظرية للواقع الفعلي، ثم لم يعد من خلاف حول هذا الموضوع في تلك المرحلة بعد أن أجمع معظم الباحثين على ضرورة إحلال فكرة التوازن الحركي المتجدد محل فكرة التوازن الساكن المستقر. ولم تقتصر الطعون الناقدة على تناول مفهوم التوازن ذاته بوصفه مفهوماً نظرياً مخالفاً للواقع الفعلي فحسب بل امتدت الانتقادات إلى المنطق الداخلي الذي تقوم عليه النظرية. وكان من النتائج الإيجابية لهذه الانتقادات إسراع أتباع نظرية التوازن إلى بناء نظرية التوازن العام الديناميكي بإدخال متحول «الزمن» في معادلات التوازن.
جدد جون مينارد كينزJohn Maynard Keynes ت(1883-1946) نظرية التوازن بأن وضع في صلب تفكيره العمالة الكاملة التي لم تستأثر باهتمام «والراس» و«باريتو» اللذين كانا يعتقدان أن للأجر دور المنظم في سوق العمل (فعندما تزداد القوى العاملة يتيح انخفاض الأجور الاسمي الحفاظ على العمالة الكاملة). ومن جهة أخرى فقد خص التحليل الكينزي الزمن بالأهمية وعدّه أحد العناصر المجهولة من الاقتصاديين التقليديين الجدد، وفي رأي كينز أن أصحاب المشروعات يقومون بالاستثمار استناداً إلى توقعاتهم لحجم الطلب في المستقبل فهو يدرس تصرف الوحدات الاقتصادية طوال تلك المدة، وليس في وقت محدد، كما تكمن أهمية هذه الطريقة في إيجاد الحالات التي يظهر فيها تأثير هذا العامل في السياسات الاقتصادية.
إن كينز برفضه فكرة «التوازن التلقائي» يقبل بإقامة توازن نهائي، إذ تطرأ تعديلات جذرية على العلاقات بين الادخار والاستثمار. وبرفضه فكرة «الادخار المسبق الضروري لانطلاق الاستثمار» يؤكد بالفعل وجود التوازن اللاحق للاستثمار والادخار. ولم يعد يتوقف التوازن في هذا المنظار على تصحيح الأسعار إنما على تبدلات الدخل. فإن جميع التوازنات ممكنة (السَّيِّء منها والجيد) في نظر كينز والتوازن المنشود هو ذلك الذي يؤدي إلى العمالة الكاملة التي يمكن التوصل إليها بوساطة مستوى مرتفع للاستثمار الذي يتحدد بموجبه الناتج القومي والادخار.
ثم ألحق بمفهوم التوازن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إضافات ملموسة لقيت استحساناً في السياسات الاقتصادية لدول أوربة الغربية، فقد ضمن تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية تحقيق حجم كاف من الاستثمار. وأضاف الذين استكملوا أعمال كينز ولاسيما الاقتصادي بول سامويلسون

هناك تعليق واحد: