2011/06/13

المديونية الخارجية للجزائر

المقدمة:
لا زالت أزمت الديون الخارجية للدول النامية إحدى التحديات الهامة والرئيسية التي تواجه الدول الدائنة والمدينة على السواء، ومع تزايد الديون الخارجية وجد عدد كبير من الدول النامية في وضعية تتمثل في صعوبة الاستمرار في خدمة ديونها، حيث أن التزاماتها الخارجية تجاوزت قدرتها على السداد، وترجع أسباب هذه الأزمة في الغالب إلى خلل في السياسات الاقتصادية لهذه الدول مما يدفعها إلى الاقتراض من الدول المتقدمة من أجل الوصول إلى تنمية اقتصادية .
والجزائر كغيرها من الدول النامية عاشت هذه الأزمة وكانت أبرز المشاكل التي هددت نموها الاقتصادي وعليه يمكن طرح التساؤلات التالية:
ما المقصود بأزمة المديونية ؟

ماهي أسبابها ؟

ماهي الآثار التي خلفتها ؟

ماهي أساليب معالجتها ؟

ماهو واقع المديونية الخارجية في الجزائر ؟
خطة البحث:
مقدمة
المبحث الأول: ماهية المديونية الخارجية
المطلب الأول: مفهومها وتطورها
المطلب الثاني: أسبابها
المطلب الثالث: دور صندوق النقد والبنوك التجارية في أزمة المديونية
المبحث الثاني: آثار المديونية الخارجية وأساليب معالجتها
المطلب الأول: أثرها على التنمية الاقتصادية
المطلب الثاني: آثارها الاجتماعية والسياسية
المطلب الثالث: أساليب معالجة أزمة المديونية
المبحث الثالث: أزمة المديونية الخارجية في الجزائر 1990 – 2010
المطلب الأول: أسبابها وتطورها
المطلب الثاني: آثارها على الجزائر
المطلب الثالث: مجهودات الجزائر من أجل حل الأزمة
الخاتمة
المراجع

المبحث الأول: ماهية المديونية
المطلب الأول: مفهوم المديونية وتطورها
أولا: مفهوم المديونية الخارجية
يقصد بالدين الخارجي في معناه العام أنه: الدين الذي تحصل عليه الدولة من الدول أو المصارف الأجنبية، أومن المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي.
إلا أن هناك صعوبة في إيجاد تعريف مشترك ودقيق للديون الخارجية متفق عليه من جميع الأطراف المعنية.
ولقد وضعت كل من منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومصرف التسويات الدولية وهي منظمات دولية أساسية معنية بهذه القضايا صيغة لتعريف الدين الخارجي مفادها "الدين الخارجي الإجمالي في تاريخ معين يعادل مبالغ الالتزامات التعاقدية الجارية والتي يقصد به إجبارية القيام ببعض التسديدات وتكون مرتبطة بتاريخ محدد مسبقا وليس بالنتائج المحققة عن استعمال الأموال.
إلا أن هذا التعريف يطرح بعض الإشكاليات مثلا: صعوبة تحديد هوية وإقامة الدائن والمدين مما يخلق صعوبة في تطبيق التعريف، بالإضافة إلى صعوبات أخرى في حالة إعادة جدولة الديون.
كما تعرف الديون الخارجية: أنها تلك المبالغ التي اقترضها الاقتصاد القومي لمدة تزيد على العام وتكون مستحقة للجهة المقرضة عن طريق الدفع بعملات أجنبية أو تصدير السلع والخدمات إليها.
ولديون الخارجية عدة تقسيمات:
حسب الفترة الزمنية: ديون قصيرة الأجل، ديون طويلة الأجل، ديون متوسطة الأجل.
حسب مصادر الجهة التي تقدم القرض: ديون رسمية وديون خاصة (تجارية).
-الديون الرسمية: هي الديون التي تقوم بتقديمها الحكومات والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية للدول الراغبة والمحتاجة لها.
-الديون الخاصة: وهي التي تقدمها المصارف التجارية.
من حيث قابليتها للجدولة:
-ديون لا تقبل الجدولة: هي ديون مستحقة لمنظمات دولية أو إقليمية "مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي" حيث يجب على الدولة المعنية الوفاء بهذه الديون في مواعيد الاستحقاق بغض النظر عن ظروفها الاقتصادية والمالية.
- ديون تجارية: ديون مستحقة للمصارف التجارية الخارجية وتم إعادة جدولتها عن طريق التفاوض بين المصارف الدائنة والدول المعنية وتتم عملية الجدولة في "نادي لندن".
-ديون رسمية حكومية:تتمثل في الديون المستحقة لحكومات أو مضمونة من حكومات ويتم إعادة جدولة هذه الديون عن طريق نادي باريس.
ثانيا: تطور أزمة المديونية
ترجع الجذور التاريخية لأزمة المديونية في الدول النامية إلى المراحل المبكرة التي مرت بها العلاقات بين هذه الدول والدول الصناعية خاصة مرحلة نشوء وتطور الرأسمالية التي احتكرت التمويل مما زاد من درجة تبعية الدول النامية لدول الصناعية الرأسمالية حيث يثير استعراض الأوضاع الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية وفي الثمانينيات تغيرات عميقة، ابتداءا من توقيع اتفاقية "بروتن وودز" التي بموجبها تم صياغة نظام اقتصادي دولي جديد، وتشجيع التدفقات الدولية لرأس المال الأغراض الإنتاجية وتبع ذلك إنشاء مؤسسات مالية دولية تفي بهذا الغرض مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وأهم ما شهدته هذه الفترة خاصة على صعيد الدول النامية هو حصول أغلبيتها على الاستقلال السياسي وبالتالي توجهها نحو تحقيق تنميتها الاقتصادية ففي عام 1955 كانت ديون البلدان النامية بحدود 8 مليار دولار، وفي الستينات تابعت الدول النامية الارتباط بشكل رئيسي بالمساعدة العامة للتنمية، لتأمين تمويل نموها، الأمر الذي زاد من حجم مديونيتها التي بلغت 36 مليار دولار عام 1970 .
أما مرحلة الثمانينات وحتى الوقت الحاضر "مرحلة الأزمة" شهدت هذه المرحلة بداية الانطلاق نحو مأزق المديونية الدولية فقد أدت المستويات المرتفعة لإقراض البلدان النامية خلال السبعينات وتدهور أوضاعها المالية خلال الثمانيات، وقد ظهرت بوادر هذه الأزمة ابتداءا ببولندا عام 1981 حينما تبين أن ليس بمقدورها دفع ما يترتب عليها من فوائد لقروضها الخارجية، وتكررت هذه الأزمة في المكسيك عام 1982 حينما تبين أنها غير قادرة على مواجهة التزاماتها في الدفع واعتبارا من هذا التاريخ انهارت ثقة المصارف المالية بالقدرة المالية لجملة البلدان المدينة الأساسية وهذا ما أدى إلى تغيير موقف المصارف حيال المدينين بوضعها عدة إجراءات .
وتشير الإحصائيات أن مجموع الدين الخارجي للدول النامية قد تضاعف خلال الفترة 1980-2000 حيث وصل عام 2000 إلى 2120.9 مليار دولار بينما تقلصت حصيلتها من العملات الأجنبية وكذلك الاحتياطات الدولية.
المطلب الثاني: أسباب المديونية الخارجية
تختلف اتجاهات تحديد طبيعة هذه الأزمة والأسباب التي أدت إلى ظهورها، ويتمحور الاختلاف حول ما إذا كانت الأزمة تعود إلى سياسات اقتصادية ترتبط بالدول المدينة أو عوامل ترتبط بالبيئة الخارجية، وتتمثل أسباب أزمة الديون الخارجية بشكل عام في:

1-أسباب داخلية:
أ-العجز في الموازين العامة: من العوامل الداخلية التي أدت إلى تفاقم أزمة الديون الخارجية والعجز المستمر في الموازنة العامة (العجز الداخلي) نتيجة للاختلالات الهيكلية التي أدت إلى توسع نقدي وثم إلى ارتفاع معدلات الأسعار في هذه الدول ويقصد بالعجز الفرق السالب بين الإيرادات العامة والنفقات العامة، ولقد واجهت الدول العربية خاصة متوسطة ومنخفضة الدخل عجزا ماليا لتزايد الإنفاق الحكومي مع بداية الثمانينات والذي يزيد بمعدل سنوي حوالي 20% عام 1979 و37% عام 1987 وهذا راجع إلى التوسع الكبير في النفقات الحكومية من جهة، وإلى الإيرادات المحلية بالإضافة إلى انخفاض المساعدات الخارجية من جهة أخرى وقد أدت هذه العوامل إلى عجز مستمر في ميزانية هذه الدول.
ب-هروب رؤوس الأموال: كان هروب رؤوس الأموال من الدول النامية إلى الدول المتقدمة من العوامل السلبية التي دعمت اختلالاتها ففي الوقت الذي اقترضت فيه كثيرا من الدول النامية من الخارج بنطاق واسع في السبعينيات وبداية الثمانينات كان مواطنو هذه البلدان نفسها يمتلكون أرصدة ضخمة في البنوك الأجنبية وطبقا لتقديرات بنك"Morgantrust" فإن حوالي 200 مليار دولار قد تم تهريبها من 18 دولة نامية فقط على السبعينات، وقد بلغ حجم الأموال المهربة من دول أمريكا اللاتينية وحدها في الفترة 1983-1985 حوالي 105 مليار دولار.
ج- غياب السياسة السليمة للإقراض الخارجي: والذي كان له دور كبير في حدوث كثير من المشكلات الراهنة الناتجة عن تضخم الدين الخارجي وتفجر أعباء خدمته ولعل عدم الشعور بأهمية وجود مثل هذه الإستراتيجية لدى هذه الدول، كان ناجما عن ظروف الاقتراض الخارجي في السبعينات، إذ لم تحرص جهات الاقتراض الخارجي في السبعينات على مراعاة قدرة المدين على السداد مستقبلا ولم تعط لحسن استخدام المدين للقروض أية اعتبارات.
د-التضخم المحلي:الذي يؤثر سلبا على ميزان المدفوعات حيث يضعف من الموقف التنافسي لصادرات الدولة في السوق العالمي وفي الوقت نفسه يشجع على زيادة الاستيراد حينما تكون أثمان السلع المستوردة التي لها مثيل محلي منخفضة على الأثمان المحلية، وهكذا تقل الصادرات وتتزايد الواردات في ظل التضخم ويتزايد عندئذ عجز الميزان التجاري يضاف إلى ذلك أن التضخم المحلي يضغط على سعر الصرف للعملة المحلية فيتدهور هذا السعر ويشجع هروب رأس المال إلى الخارج ويضع العراقيل أمام انسياب الاستثمارات الأجنبية الخاصة، ولهذا تأثيرات سلبية على ميزان المدفوعات فيتزايد عجز الحساب الجاري وتضطر الدولة لاستدانة الخارجية كما أن زيادة الديون تؤثر على التضخم أي زيادة الديون تؤدي إلى زيادة التضخم.


2-أسباب خارجية:
أ-ارتفاع أسعار النفط: لاشك أن الزيادة التي حصلت في أسعار النفط في السبعينات على أثر صدمتي النفط 1973-1974،1977-1980، ساهمت بشكل أو بآخر في ارتفاع حجم المديونية،حيث أجبرت الدول المستهلكة للمحروقات على الاقتراض من أجل تسديد النفقات الإضافية الناتجة عن ارتفاع سعر النفط وحسب هذا المنطلق فإننا نتصور للوهلة الأولى أن ارتفاع حجم المديونية أصاب الدول غير النفطية فقط لكن في الواقع أن الدول النفطية كذلك ارتفع حجم ديونها وذلك لإفراطها في الاقتراض معتمدة على إيراداتها المستقبلية وكذلك معدلات الفائدة التي كانت منخفضة في هذه الفترة، حيث ارتفع حجم الديون في الدول النامية بما فيها النفطية خلال نفس الفترة من 14303 مليار دولار إلى 826 مليار دولار.
ب-الكساد وتدهور شروط التبادل التجاري: لقد أدى تبني الدول الصناعية لبعض السياسات الانكماشية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات إلى تدهور النمو الاقتصادي في البلدان النامية مما أوقعها في حالة ركود اقتصادي مما أدى إلى انخفاض الطلب على صادراتها وتدهور معدلات تبادلها حيث انخفضت صادراتها من المواد الأولية،بالإضافة إلى انخفاض في أسعار النفط العالمية لتشبع السوق البترولية العالمية هذا ما أدى إلى انخفاض عائدات الدول العربية النفطية، في الوقت نفسه استمرت أسعار السلع المصنعة في الارتفاع وخاصة السلع الاستهلاكية والترفيهية مما أدى لجوء هذه الدول إلى الاقتراض الخارجي لسد مثل هذا العجز في المواد، ولقد كلف تدهور التجارة الدولية العربية ما يزيد عن 23 بليون دولار على هيئة انخفاض في الفائض التجاري خلال الفترة 1981-1987 ولجوء هذه الدول إلى الاقتراض المحلي والخارجي مما أدى إلى تزايد حجم الديون وأعباء خدمتها.
ج-تغير معدلات الصرف: يؤثر ارتفاع معدلات الصرف لعملة معينة داخلة في هيكلة الديون الخارجية لبلد معين على حجم الديون، هذا ما يحدث بالفعل،ارتفاع معدلات صرف الدولار الأمريكي، باعتباره العملة الرئيسية لإبرام القروض، أدى إلى تعقيد الأمر بالنسبة لعدد كبير من الدول النامية، فقد تأثرت بشدة أعباء خدمة الدين في بعض بلدان إفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية بسبب ارتفاع قيمة الدولار بسبب السياسة التي اتبعتها الولايات المتحد الأمريكية التي عملت على تخفيض العملة المتداولة ورفع معدلات الفائدة وهذا ما أدى إلى ارتفاع قيمة الدولار وهذا بهدف تخفيض التضخم.
د-سياسات الإقراض الدولية وارتفاع أسعار الفائدة: كان لسياسات الإقراض الدولية وارتفاع أسعار الفائدة دور رئيسي في حجم الديون الخارجية للدول العربية المدينة ولقد توسعت بعضها في الاقتراض حيث أدى الاتجاه إلى الإقراض التجاري قصير الأجل وبفوائد مرتفعة إلى زيادة الأعباء المالية على بعض الدول العربية، وتوجه هذه الدول إلى القروض الخاصة والتي تمنح لفترات أقصر وبفائدة أعلى وفترة سماح أقل زاد من عبئ المديونية، في المقابل وحتى تحمي البنوك التجارية نفسها من مخاطر الإقراض إلى الدول النامية، ومن ضمنها العربية لجأت إلى زيادة أسعار الفائدة لمواجهة المخاطر بالإضافة إلى فرض ما يعرف بأسعار الفائدة المتغيرة، والتي تتغير على فترات تبعا للاتجاه العام لأسعار الفائدة في سوق لندن ونيويورك، ولقد زاد حجم الفوائد التي تدفعها الدول العربية المدينة على قروضها من 183.1 مليون دولار عام 1973 إلى حوالي 5.16 بليون دولار عام 1989 وبمتوسط معدل سنوي 24.4% .
المطلب الثالث: دور صندوق النقد والبنوك التجارية في الأزمة
لقد كان لصندوق النقد الدولي والبنوك التجارية دورا في أزمة المديونية خاصة بعد إعلان المكسيك عن توقفها عن تسديد ديونها في أوت 1982 وهو إعلان خلق حالة من الذعر لدى الأوساط المالية الدولية إذ أن معظم ديون المكسيك وسائر دول أمريكا اللاتينية تعود لمئات البنوك التجارية المنتشرة في العالم خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وهو الأمر الذي حمل معه إمكانية انهيار النظام النقدي الدولي.
وكانت نقطة البداية هي إقناع البنوك التجارية الدائنة باستئناف تقديم قروض جديدة للمكسيك لتمكينها من خدمة ديونها فقد تفجرت الأزمة في المقام الأول بسبب توقف البنوك التجارية فجأة عن الإقراض بعد أن استبانت أن حجم المديونية بلغ حدا ينوء به الاقتصاد المكسيكي خصوصا بعد التدهور الكبير في ميزانها التجاري على أثر الكساد العالمي.
ولم يكن إقناع البنوك بمعاودة الإقراض بالأمر الهين، فإن عدد البنوك الدائنة للمكسيك كان يتجاوز500،لكن صندوق النقد الدولي نجح في إقناعها بأن المحافظة على أصل الديون المستحقة للبنوك التجارية وكانت تبلغ آنذاك 60 مليار دولار يبرر تقديم قروض جديدة للمكسيك ومن هنا كانت "القروض الاضطرارية" وقد تم ذلك ضمن ما يسمى "بربطة الإنقاذ" هي تقوم على أساس التزام البنوك التجارية بتقديم قدر محدد من القروض الجديدة وقبول إعادة جدولة نسبة معينة من أصل الديون المستحقة وفي المقابل يلتزم البلد المدين بشروط تفرضها عليه هذه البنوك، ومن هنا أصبح من العسير الاستمرار في سياسة تبدو وكأنها تنطوي على التضحية باقتصاد البلاد المدينة في سبيل إرضاء البنوك الدائنة وتمكينها من استيفاء حقوقها.


المبحث الثاني: آثار المديونية الخارجية وأساليب معالجتها
تعتبر أزمة المديونية من أعقد القضايا التي تواجه الاقتصاد الدولي في الوقت الحاضر نظرا للآثار السلبية التي تخلفها.
المطلب الأول: آثار المديونية الخارجية على التنمية الاقتصادية
لقد كان لأزمة الديون عواقب على آفاق التنمية في البلدان المدينة، فمع الوقت الذي يتزايد عبء خدمة الدين وفي الأجل الطويل كان لابد من زيادة معدلات نمو الاستثمار والصادرات بمعدل مساو أو أكبر من معدل نمو الديون وحتى لولم يحدث أي نمو في الواردات فسوف يتعين زيادة الصادرات باستمرار لمجرد تغطية التدفقات الخارجية المالية، لكن استمرار الصادرات ونموها يحتاج إلى المزيد من الاستثمارات خاصة لبلدان النقل الصافي السلبي، ومع ذلك فقد ينخفض الاستثمار فيها انخفاضا كبيرا إذا أريد تقليل العجز في الحسابات الخارجية وهنا يكمن اللغز أو الحلقة الخبيثة للديون: الصادرات، الاستثمار، فالديون
حيث أنه لنمو الصادرات لا بد وأن ينمو الاستثمار المولد للصادرات لكن نمو الاستثمار لابد وأن يلزمه نمو الواردات لسببين: الأول لمواجهة الزيادة في الطلب على الآلات والمعدات، والثاني لأن الاستثمار عبارة عن طلب نقدي وإنفاق نسبة من هذا الإنفاق تتجه للطلب على السلع الأجنبية.
وفي هذه السياسة (زيادة الصادرات) تتبعها الدول لتحقيق زيادة صافية في حصيلة النقد الأجنبي، لكن زيادة الاستثمار عن الحد المطلوب يؤدي بالضرورة إلى المزيد من القروض، هذا ما يؤدي إلى رفع معدل نمو القروض الجديدة وبالتالي لا يتصور حدوث نمو في الناتج القومي سواء للاستخدام المحلي أو للتصدير بدون استثمار، ولا استثمار بدون استيراد ولا استيراد بدون قروض ولا قروض بدون ارتفاع لأسعار الفائدة ولا قروض جديدة بدون زيادة عبء خدمة الديون.
وإذا وصلنا إلى هذه المرحلة في حلقة الدين الخبيثة هذا يعني وجود خلل وبسببه عدم الترابط بين النظام الاقتصادي العالمي بجوانبه المالية والتجارية وبين عملية التنمية.
المطلب الثاني: آثارها الاجتماعية والسياسية
أولا: الآثار الاجتماعية للمديونية الخارجية
تتجاوز الآثار السلبية للديون الخارجية الجوانب الاقتصادية إلى الأبعاد الاجتماعية خصوصا مع تنامي ظاهرة العولمة، حيث أن اهتمام الدول النامية في التحكم في إدارة نشاطاتها الاقتصادية جعلتها تتنازل عن جزء كبير من مهمتها الاجتماعية حيث ارتفعت معدلات البطالة نتيجة تطبيق سياسات انكماشية تتضمنها برامج التقويم الهيكلي، خاصة في المراحل الأولى مما يؤدي إلى انخفاض الطلب المحلي ويزيد من حدة الركود الاقتصادي الذي يؤدي إلى تراجع الطلب على العمل، ويضاف إلى ذلك عمليات الخوصصة للمؤسسات العمومية التي ساهمت في تقليص اليد العاملة، كما تراجعت الحكومات عن خلق فرص جديدة للعمل بحجة الضغط على الإنفاق العام وتقليص العجز في الميزانيات العامة، وكل هذا أثر سلبا على مستويات المعيشة لغالبية الدول المدينة وأدى إلى تفاقم الفقر في هذه الدول.
ثانيا: الآثار السياسية
إن خطورة تفاقم الديون لا تقف عند الحدود الاقتصادية والاجتماعية، بل تتجاوزها إلى درجة إخضاع صانع القرار السياسي إلى مزيد من الضغوطات والتدخل الأجنبي، وفي ظل تيار العولمة المتنامي في العصر الحالي تزيد هيمنة الدول الدائنة خلف ستار مؤسساتها الدولية المالية المختلفة، من البنك والصندوق الدوليين إلى شركات متعددة الجنسيات وفي كل ذلك مساس بالسيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي.
المطلب الثالث: أساليب معالجة أزمة المديونية
نظرا للآثار السلبية التي تركتها مشكلة المديونية الخارجية على الاقتصاديات النامية، إضافة إلى ما واجهته هذه المشكلة من تهديد على نظام الائتمان الدولي بالانهيار من خلال احتمالات الإفلاس لكبريات البنوك الأجنبية الدائنة، فرض على العالم ضرورة الانتباه إليها ومعالجتها، حيث طرحت عدة مقترحات من قبل مختلف الأطراف المعنية بالمسألة، فقدمت الأطراف الدائنة مقترحات تدافع عن مصالحها المتجسدة في الحفاظ على رأس المال الدولي، وفي نفس الوقت قدمت الدول المدينة مقترحات حاولت من خلالها حل الأزمة، ونحاول التطرق إلى أهم هذه المقترحات أو الحلول.
أولا: مشروع بيكر
في محاولته للربط بين احتياجات النمو الاقتصادي طويل الأجل في البلدان النامية ومشكلات الدين الخارجي، تقدم وزير الخزانة الأمريكية في أكتوبر 1985 بمبادرة جديدة أعطيت اسمه لحل أزمة الدين الخارجي.
قدر "بيكر" أن الاحتياجات المالية للبلدان النامية شديدة المديونية تقتضي زيادة الاقتراض الجديد من البنك الدولي ومؤسساته الفرعية بنسبة 50% ( أي ما يعادل 3 مليار دولار سنويا) بالإضافة إلى 20 مليار أخرى من المصارف الدولية على مدى السنوات الثلاثة التالية من 1986 إلى 1988 .
وللحصول على القروض الجديدة لا بد للدول المستفيدة من مراعاة برامج للتكيف الهيكلي تحت الإشراف الوثيق لكل من الجهات الدائنة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وقد وضع "بيكر" ثلاث معايير محددة في هذا الصدد:
1-تحسين معدلات العمالة والإنتاج من خلال تشجيع القطاع الخاص وتقليص دور الدولة في التدخل في النشاط الاقتصادي للأفراد.
2-تعبئة المدخرات القومية وفتح آفاق الاستثمارات المنتجة من خلال تحرير أسواق المال والصرف من كافة أشكال القيود.
3-العمل على جذب وتشجيع رأس المال الأجنبي للاستثمار بالدخل عن طريق تحرير حركات انتقال الأموال والموارد والتجارة من وإلى الخارج.
وكان لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي هنا دور هام، فالصندوق يتولى عملية إدارة القروض والإشراف على برامج التكييف في الدول المدينة، والبنك الدولي سوف يكون له دور أكبر بالطبع في المساعدة على تحقيق معدلات أعلى للنمو في البلدان المقترضة أما المصارف التجارية فهي مدعوة طبقا لهذا المشروع إلى تقديم قروض جديدة (في حدود 20 مليار دولار) إلى الدول التي تلتزم بقبول هذه الشروط وتتبع البرامج الموضوعة لها من قبل الصندوق والبنك الدوليين.
ثانيا: مشروع برادي
قد تم اعتبار حذف الديون هدفا للمبادرة الأمريكية التالية، والتي أطلق عليها (خطة برادي Barady ) عام 1989 وقد كان ذلك بمثابة أول اعتراف رسمي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بأن يتم إدراج شطب الدين ضمن خطة إصلاح الديون، وذلك لتجنب الفشل في السداد من جانب كبار الدول المدينة وتعتبر المكسيك الحالة الاختيارية في هذا الصدد فقد تم الاتفاق بين حكومة المكسيك وحوالي 500 بنك دائن على أن تقوم البنوك بالاختيار بين مبادلة القروض القديمة مقابل الحصول على سندات جديدة تتضمن إما خصما أو معدلات فائدة أقل و بالمقابل يستطيع البنك تقديم قروض جديدة، و بالرغم من التهليل الكبير المصاحب لهذه الخطة، فقد انتهى تحليل قامت به الولايات المتحد الأمريكية التي ضعف النتائج المحققة بدرجة كبيرة.
ثالثا: إعادة جدولة الديون الخارجية
إعادة جدولة الديون هي عبارة عن إعادة ترتيب شروط سداد الدين الأصلي والذي يستلزم دخول الدولة المدينة في مفاوضات مع الدائنين لاتفاق معهم على تأجيل السداد وعادة ما يكون معدل خدمة الدين قد وصل إلى مستويات مرتفعة، تتدهور بعدها قدرة الدول على الحفاظ على الحد الأدنى من الموارد الضرورية.
وتستغرق عملية إعادة جدولة الديون، سنوات قبل التوصل إلى اتفاق وقد يصاحبها إملاء بعض الشروط على الدول التي تطلب إعادة الجدولة،إضافة إلى أعباء إضافية قد تزيد من أعباء خدمة الديون في المستقبل، وتهدف هذه العملية إلى إتاحة فرصة زمنية لمعالجة الخلل في ميزان المدفوعات المتمثل في نقص العملات الأجنبية، وقد ترمي إلى إتاحة وقت أطول لاتخاذ تدابير معينة وإتباع سياسات مناسبة لتحسين ميزان المدفوعات وتتضمن إعادة جدولة الديون نوعين من الديون: الدين الرسمي والذي يمثل القروض التي تضمنتها الحكومات والوكالات الرسمية ويتم جدولة هذه الديون عن طريق نادي باريس ودين البنوك التجارية التي يعاد التفاوض فيه في إطار مجموعة من بنوك الائتمان المتخصصة التي يطلق عليها نادي لندن.
-بالإضافة إلى ما ذكرناه فقد ظهرت في السنوات القليلة الماضية وسائل حديثة لتخفيض أعباء الديون الخارجية على الدول المدينة، حيث عرفت هذه الدول مثلا شراء دينها بخصم أو تحويله إلى أصول أخرى مثل السندات أو الأسهم أو حتى السلع، وقد أخذت هذه الوسائل أبعادا أكثر منذ بداية التسعينات، ومن أهم هذه الوسائل:
1*مقايضة الدين بالأسهم:
تشمل هذه المنهجية قيام المقرض الأصلي بخصم في سوق التداول بتحمل دين البلد، ويحصل في مقابله على عملة محلية بقيمته الاسمية الكاملة بسعر الصرف الرسمي، ويستخدم هذه العملة المحلية في شراء أسهم محلية وإعادة الإقراض وما إلى ذلك، والفائدة التي تعود على الدائنين في مثل هذه الحالة هي أنهم يعيدون استخداما لقروضهم بقيمتها الاسمية، بينما تتمثل الفائدة للمدين في تخفيض دينه وتتبع عمليات مقايضة الدين بالأسهم نمطا أساسيا يتمثل في الأتي:
-تقوم إحدى البنوك التجارية ببيع دين قائم مقدم إلى أي منشأة (قطاع عام أو خاص) في البلد المدين بخصم (20% مثلا).
-يقوم مستثمر بشراء ورقة الدين بقيمته الاسمية، أو بخصم بسيط بالعملة المحلية بسعر الصرف السائد في السوق.
-يحصل المستثمر على أسهم في البلد المدين باستخدام هذه العملة المحلية ويشترك في العادة في مثل هذه العملة ثلاث جهات رئيسية وهي:
البنوك التجارية: التي تبيع أوراق دينها أو تشترك في مقايضات الدين بالأسهم لتدعيم مركزها المالي من خلال التخلص من الديون الصعبة أو الرديئة مثلا.
المستثمرون: حيث تتيح مقايضة الدين بالأسهم بالنسبة للشركات الراغبة في الاستثمار في البلد المدين، إمكانية الحصول على العملة المحلية الاستثمار وبشروط جيدة.
الدول المدينة: والتي يكون عندها استعداد تحويل ديونها الخارجية إلى أسهم بهدف الحصول على استثمارات جيدة يمكن توجيهها إلى قطاع التصدير مثلا، وقد تساعد على خلق فرص عمل جيدة.
2*مقايضة الدين بسندات:
يتم من خلال هذا النموذج مبادلة الديون الحالية مقابل سندات بمبلغ أصلي مخفض أو بأسعار فائدة أقل من سعر السوق وتكون مقررة سلفا ومن هنا يتم تحويل قروض الدول المدينة إلى أوراق مالية تعاد جدولتها بسهولة أقل وترتهن بحسابات ضمان إضافية تمول في كثير من الأحيان بمساعدة من الدائنين الرسميين ضمانا لتسديد أصل الدين أو جزء منه.
3*مشاركة الدول الدائنة في ملكية الأصول الإنتاجية في الدول المدينة:
وبمقتضى هذا النموذج والذي تدعى به أساسا الاقتصادية "allam meltrer " فإن الدول المدينة تستطيع أن تخفض أعباء ديونها الخارجية من خلال السماح للدائنين مشاركتهم بملكية المشروعات الإنتاجية التي يمتلكونها ضمن القطاع العام، وكذلك المشاركة في إدارة هذه المشروعات على أسس تجارية مما يقلل العجز في هذه الدولة ومن ثم يقلل من حاجاتها للاستدانة من الخارج، وقد قامت بعض الدول مثل تركيا وشيلي والمكسيك والبرازيل ببيع بعض أولها الإنتاجية للجهات الدائنة لتخفيض حجم ديونها الخارجية.


المبحث الثالث: أزمة المديونية الخارجية في الجزائر من 1990إلى 2010
المطلب الأول: أسباب المديونية وتطورها
لا يمكن حصر مديونية الجزائر باعتبارها مجرد تعبير خارجي عن العجز في ميزان المدفوعات إنما تترجم الواقع وضعا اقتصاديا معينا له أسبابه التاريخية ومميزاته الخاصة.
أولا: أسباب المديونية الخارجية الجزائرية
هناك عدة أسباب ساهمت في إنشاء وتفاقم أزمة المديونية الخارجية الجزائرية أهمها:
1-تقلبات قطاع المحروقات:
اعتمدت الجزائر اعتمادا مطلقا على قطاع المحروقات في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولتحقيق ذلك قامت بتكثيف إنتاج المحروقات وتتطلب ذلك إنفاق استثمارات ضخمة في القطاع البترولي، غير أن تعرض هذا القطاع إلى تقلبات كبرى وتذبذب في الأسعار أثر بشكل مباشر على تفاقم أزمة المديونية فخلال الصدمتين البتروليتن سنتي 1973 و1979 ارتفاع سعر النفط مما أدى إلى زيادة الدخل القومي المعبر عنه بفائض في ميزان المدفوعات، وكنتيجة لهذا اتبعت الجزائر سياسة الاقتراض معتمدتا على تكهنات ارتفاع أسعار النفط للفترات الحلقة لكن حدث العكس إذ انخفض سعر البترول سنة 1986 مما أدى إلى تقليص عائدات صادرات المحروقات، ومن ثم حدوث عجز في ميزان المدفوعات وعدم القدرة على تسديد الديون تسبب هذا الانخفاض في خسائر للجزائر قدرها 9 مليار دولار.
2-ضخامة الجهود الاستثمارية:
اعتمدت الجزائر منذ السبعينات سياسة تنموية تعتمد خاصة على القطاع الصناعي الذي يتطلب استثمارات ضخمة فائقة لإمكانيات التمويل المحلية مما أدى بالجزائر إلى اللجوء للقروض الخارجية نظرا لاعتقد رسم السياسة الاقتصادية أنه لا يمكن تجوز مرحلة التخلف التي يعيشها الاقتصاد الجزائري إلا عن طريق إقامة استثمارات ضخمة، غير أن تمويل هذه الاستثمارات عن طريق القروض الخارجية جعل من الجهاز الإنتاجي جهازا تابعا للخارج، إذ أن عملية تشغيله تتوقف إلى حد كبير على واردات السلع الأولية والسلع الوسيطة.
3-غياب السياسة السليمة للاقتراض:
هناك عدة معايير يمكن من خلالها الحكم على غياب السياسة السليمة للإقراض في الجزائر ومن أهمها:
-عدم وجود تناسب بين تركيبة العملات الأجنبية المكونة للدين الخارجي وبين نمط التجارة الخارجية، حيث أن صادرات الجزائر تتم بصورة شبه كلية بالدولار الأمريكي ومن يكفي انخفاض قيمة الدولار مع ثبات العملات الأخرى حتى يتفاقم حجم الدين الخارجي.
-ارتفاع حصة القروض قصيرة الأجل من إجمالي القروض وما تبعها من شروط قاسية خاصة من حيث ارتفاع أسعار الفائدة فيها.
-زيادة خدمة الدين الخارجي إذ وصلت إلى 307% سنة 1994 في حين تجاوزت 57.62% سنة 1987.
-عدم المصداقية في تسيير القروض حيث استعملت نسبة كبيرة منها في تمويل الواردات من السلع الكمالية.
-عدم فعالية الجهاز الإنتاجي إذ أن معظم النتائج التي حققتها مختلف القطاعات الإنتاجية التي مولت بالقروض كانت ضعيفة ما عدا قطاع المحروقات.
ثانيا: تطور المديونية الخارجية الجزائرية
يوضح الجدول الموالي تطور المديونية الخارجية للجزائر من سنة 1990 إلى غاية 2007 :
السنوات إجمالي الدين
-1990 28.37
-1991 27.87
-1992 26.67
-1993 25.72
-1994 29.48
-1995 31.57
-1996 33.65
-1997 31.22
-1998 30.47
-1999 28.31
-2000 25.26
-2001 22.57
-2002 22.64
-2003 23.35
-2004 21.82
-2005 16.4
-2006 15.5
-2007 5.573
المصدر: بنك الجزائر الوحدة: مليار دولار
مرت المديونية الخارجية للجزائر منذ سنة 1990 إلى غاية سنة2007 مراحل تتلخص فيما يلي:
1-المرحلة الأولى: من 1990 إلى 1993
في هذه المرحلة انخفض إجمالي الدين بوتيرة منخفضة إذا انتقل من 28.37 مليار دولار أمريكي سنة 1990 إلى 25.72 مليار دولار أمريكي سنة1993، أي ما يعادل نسبة 9.34% إذ تميزت هذه المرحلة بانخفاض أسعار البترول مما نتج عنه تراجع معدل النمو الاقتصادي وتزايد وتيرة التضخم حيث ارتفع إلى 20% سنة 1993 كما انخفضت احتياطيات الجزائر من العملة الصعبة وتجاوزت خدمات المديونية الخارجية 80% من إيراداتها الخارجية، كل هذه التطورات أدت بالجزائر للجوء لصندوق النقد الدولي بغرض الاقتراض حيث حصلت منه على 300 مليون وحدة حقوق سحب خاصة في جوان 1991 مما أدى إلى انخفاض قدرة الجزائر على تسديد ديونها.
2-المرحلة الثانية: من 1994 إلى 1999
مع بداية 1999 أخذت الجزائر على عاتقها مجهودات كبيرة من أجل التصحيح الهيكلي للاقتصاد، فلجأت لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي فقدم لها قرض متوسط الأجل بلغ 260 مليون دولار لدعم ميزان المدفوعات مما أدى إلى ارتفاع الديون متوسطة الأجل بنسبة 13.18% من سنة 1994 إلى سنة 1996، كما أن اتفاق إعادة جدولة الديون الذي أبرمته الجزائر مع "نادي باريس" في ماي 1994 ساهم من جهة في خفض معدل خدمة الدين لتبلغ نسبته 30.9% سنة 1996 بعدما بلغ 47.1% سنة 1994 أي انخفض بنسبة 34.39%، وساهم من جهة أخرى في خفض ديون الجزائر المقومة بالدولار والين بنسبة مرتفعة بلغت 51.96% وذلك بين سنتي 1994 و1996، ومثلت سنة 1997 نقطة تحول في وضع المديونية الخارجية للجزائر حيث سجل الدين المتوسط وطويل الأجل اتجاها تنازليا لتبلغ 28.14 مليار دولار سنة 1999 أي انخفض بنسبة 15.31% منذ سنة 1996 مما أدى إلى انخفاض إجمالي الدين بنسبة 15.86%، إلا أن معدل خدمة الدين عرف ارتفاعا ملحوظا سنة 1998 حيث بلغ 47.5% وهذا يرجع من جهة إلى إبرام اتفاق "القرض الموسع" الذي امتد من سنة 1997 إلى سنة 1998، ومن جهة أخرى إلى ارتفاع ديون الجزائر المقومة بالين وباقي العملات بين سنتي 1997و1998 بنسبة 14.17% و13.3% على التوالي مقابل انخفاض ديونها بالدولار بنسبة 6.02% فقط، ومع ارتفاع أسعار البترول سنة 1999 حيث بلغت قيمة البرميل 17.9دولار أمريكي وبهذا انخفضت نسبة خدمة الدين لتصل إلى 39.1%
3-المرحلة الثالثة:من 2000 إلى 2010
سجلت أسعار البترول تحسن ملحوظا إذ بلغت 28.5 دولار أمريكي للبرميل الواحد سنة 2000 أي ارتفع بنسبة 37.19% خلال سنة واحدة وهكذا وصل مبلغ الصادرات من المحروقات 21.7 مليار دولار أمريكي مما أدى إلى انخفاض نسبة المديونية مقابل الصادرات لتصل إلى 19.8%، كما تجاوز الاحتياطي من العملة الصعبة عتبة10 مليار دولار غير أن عجز ميزان المدفوعات سنة 2001 دفع الجزائر للاقتراض بهدف تغطية هذا العجز مما أدى إلى ارتفاع ديونها سنة 2002، كما ارتفعت ديونها المتوسطة وطويلة الأجل سنة2003 لتبلغ 23.35 مليار دولار وترجع هذه الزيادة إلى انخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل بقية العملات الصعبة خاصة مع ظهور"الأورو" كعملة منافسة له، كما ارتفعت الواردات لتصل إلى 13.3 مليار دولار مقابل 12 مليار دولار سنة 2002 ومع إبرام الجزائر لاتفاق الشراكة"الأورو متوسطية" مع دول الاتحاد الأوروبي فقد ارتفعت ديونها بالأرو في مقابل الدولار حيث ارتفعت ديونها بالأورو بنسبة 24.48% في حين عرفت نسبة ديونها المقومة بالدولار ثباتا نسبيا إذ بلغت 39% من إجمالي الديون خلال سنتي 2003و2004، واستمرت المديونية الخارجية الجزائرية في الانخفاض لتصل إلى حوالي 15.5 مليار دولار في مارس 2006 ومن أهم أسبا هذا الانخفاض ارتفاع أسعار البترول حيث بلغ سعر البرميل الواحد في 5 مارس 2006 قيمة 73 دولار أي حصول الجزائر على عائدات بالعملة الأجنبية بنحو 60 مليار دولار بفضل صادرات المحروقات التي تشكل نحو 98% من صادراتها ولقد كشف بنك الجزائر الوطني أن المديونية الخارجية لجزائر بلغت 5.573 مليار دولار في نهاية عام 2007 وذكر تقدير للبنك أن ديون بعيدة ومتوسطة المدى بلغت4.889 مليار دولار وهو ما يمثل 87.7% من الديون الإجمالية، بينما بلغت ديون قصيرة المدى 684 مليون دولار أي 12.3% من إجمالي الديون وقال التقرير أن 74.04% من الديون هي قروض ثنائية و4.06% قروض متعددة الأطراف وهذا راجع إلى معدلات النمو التي حققتها الجزائر في هذه الفترة فقد وصلت معدلات نمو الناتج الداخلي الخام للجزائر عامي 2008و2009 مقابل 1.5% في الفترة 1990-1999، كما أن الجزائر سددت على دفعة واحدة وبصورة مسبقة باتفاق مع الدول الدائنة 12.87 مليار دولار عام 2006.
وقد كشف محافظ البنك الجزائري محمد لكصاصي أن الديون الخارجية في الوقت الحالي لا تمثل سوى 3.6% من الناتج الداخلي الخام مقابل 58.3% عام 1999 وهذا راجع إلى إقرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2005 حيث قرر وقف الاستدانة من الخارج والسداد المسبق لكامل الديون الخارجية.
المطلب الثاني:الآثار المترتبة على أزمة المديونية الخارجية
عرفت الديون الخارجية للجزائر نموا خاصة في فترة التسعينات نجم عنه آثار سلبية وقبل التطرق لها نود أن نشير إلى أن الذي أثقل كاهل الاقتصاد الوطني، لم يكن بصفة أساسية الحجم الكلي للمديونية بقدر ما كانت خدمات الديون وتطوراتها، العبء الأثقل فقد انتقلت من 4.12 مليار دولار سنة 1986 إلى 9.34 مليار دولار سنة 1993 ويظهر هذا العبء من خلال الحالة المأساوية لمستوى خدمات الديون كحصة من الصادرات حيث انتقلت من 35.8% سنة 1985 إلى 86% سنة 1993 أي بمعدل زيادة قدره 50% مما يعني أن الجزائر أصبحت تدفع أربعة أخماس إيرادات صادراتها سنة 1993 بعدما كانت تدفع ثلثها فقط سنة 1985 وكان لكل هذه آثار سواء على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد الاجتماعي والسياسي.
أولا: على الصعيد الاقتصادي
لقد كان لأزمة المديونية الخارجية آثار سلبية كثيرة من النواحي الاقتصادية نذكر أهمها:
1-الأثر على القدرة الذاتية للاستيراد:
لاشك أن خطة التنمية التي وضعتها الجزائر تحتاج إلى استيراد كثير من المعدات الإنتاجية والسلع الأزمة بالإضافة إلى السلع الاستهلاكية، وهنا تتحدد العلاقة الوطيدة بين الواردات، وعملية التنمية الاقتصادية، وأمام تفاقم الديون الخارجية للجزائر حيث لم تتمكن الجزائر من بلوغ نموها المنشود بسبب ضعف قدرتها الذاتية على الاستيراد حيث تقاس القدرة الذاتية للاستيراد بالعلاقة التالية: القدرة الذاتية لاستيراد =( إجمالي الصادرات- تفاقم الديون)/قيمة إجمالي الصادرات وعليه فإن القدرة الذاتية لاستيراد تزداد إذ: زادت حصيلة الصادرات من السلع والخدمات، وزاد انسياب رؤوس الأموال الأجنبية للاقتصاد كالقروض، قلة عوائد الاستثمارات الأجنبية الخاصة، انخفاض أسعار الواردات، لكن الذي يحدث في الجزائر العكس، حيث خصصت مبالغ ضخمة لخدمة الديون، وارتفعت أسعار الواردات مقابل انخفاض مستمر في أسعار الصادرات وهذا ما يؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني فانخفاض الواردات من آلات و معدات ومواد يحتاجها الجهاز الإنتاجي تسبب في تدهور مستويات الإنتاج، حيث تراجع معدل الناتج الداخلي الخام الذي يبلغ 1.5% في سنة 1990 و 0.2% سنة 1991 .
2-الأثر على التجارة الخارجية:
نظرا لما يمثله قطاع التجارة الخارجية من علاقات سلعية وأخرى نقدية، فإنه يعتبر القطاع المتلقي للصدمات، لما يصيب صادرات البلد المدين من تقلبات تقرر بدورها تقلبات في القدرة الذاتية على الاستيراد، هذا وقد اقترن نمو الديون بزيادة التعامل مع الاقتصاديات الرأسمالية كون معظم الديون مصدرها من هذه الدول، وفي الوقت الذي نمت فيه واردات الجزائر، عرفت صادراتها انخفاضا زاد من حجم العجز التجاري، ومن أهم التغيرات التي شهدها قطاع التجارة الخارجية في ظل هذه الأزمة: السماح للقطاع الخاص بدخول مجالات الاستيراد خاصة المواد الغذائية والمواد الوسيطية، تشجيع رؤوس الأموال الأجنبية على الاستثمار محليا، تغيير سياسة سعر الصرف الأجنبي، والتخلي تدريجيا على نظام رقابة النقد الأجنبي مع إحداث تخفيضات في القيمة الخارجية للعملة الوطنية، الإلغاء شبه كامل لاتفاقيات الدفع والتجارة الثنائية والتحول إلى التجارة متعددة الأطراف.
3-الأثر على ميزان المدفوعات:
رغم أن هناك جملة من العوامل المسئولة عن حجم ميزان المدفوعات، إلا أن مشكلة المديونية أثر بشكل كبير على هذه الظاهرة، وكان عاملا مسئولا على استمرارها، فميزان المدفوعات في حاجة إلى أموال أجنبية لكي يواجه العجز الذي يرجع إلى تدهور الدينار ففي سنة 1989 كان رصيد ميزان المدفوعات -11.8 مليار دولار ولقد ارتفع هذا الرصيد إلى 8.44 مليار دولار سنة 1991 وهذا راجع إلى تعامل الجزائر مع FMI وحصولها على قروض جديدة لتغطية العجز، وبتالي نلاحظ أنه كلما ارتفع حجم المديونية فان وضعية ميزان المدفوعات تتدهور، وترتفع حاجته إلى أموال أجنبية جديدة، وبالتالي زيادة العبء على المديونية الخارجية.
4-الأثر على الاحتياطيات الدولية للجزائر:
إن تفاقم أعباء خدمة المديونية الخارجية، قد دفع الجزائر عدة مرات إلى استخدام احتياطيات الذهب والعملات الصعبة لتسديد جانب من خدمات ديونها، تلك الاحتياطات التي تعتبر بمثابة جهاز أمان يمكن لدولة اللجوء إليه عند الحاجة لسد العجز في ميزان مدفوعاتها، حتى لا تضطر إلى تخفيض سعر صرف عملتها في كل مرة.
ثانيا: على الصعيد الاجتماعي
لقد كان لأزمة المديونية الخارجية آثار اجتماعية كثيرة خاصة بعد الدخول في سياسات التصحيح لتخفيف من حدتها، تحملتها الطبقات والشرائح الاجتماعية الفقيرة ذات الدخل المحدود بصفة خاصة من خلال :
-تدهور القدرة الشرائية لشريحة واسعة من فئات المجتمع، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأساسية والذي لم تصاحبه زيادة حقيقية في مستوى الأجور وهذا نتيجة لاعتماد الجزائر على العالم الخارجي لسد احتياجات المواطنين، وضغط نقص الإمكانيات المالية، لجأت إلى الضغط على الواردات من السلع الاستهلاكية وإلغاء الدعم على كثير من السلع الغذائية، وتخفيض الدينار الجزائري أمام الدولار، وهذا ما أدى إلى تدهور في مستويات معيشة السكان، ولم يكن هذا في إجمال الغذائي فقط بل في قطاعات أخرى ضرورية كتدهور الخدمات الصحية، وارتفاع أسعار الأدوية ضف إلى ذلك الخطر الذي يهدد قطاع التعليم بمختلف أطواره،
-زيادة حدة أزمة السكان خاصة مع النمو الديمغرافي حيث قدر عدد سكان الجزائر 29.6 مليون نسمة سنة 1995 وعجز الدولة عن استيعاب التكلفة مما أدى إلى انتشار الأحياء القصديرية.
-ارتفاع معدلات البطالة خاصة بعد إغلاق الكثير من المؤسسات فقد وصل معدل البطالة 28% عام 1996.
ثالثا: على الصعيد السياسي
لم تقف أزمة المديونية عند الحدود الاقتصادية و الاجتماعية , بل تجاوز ذلك إلى تعريض حرية صانع القرار السياسي إلى مزيد من الضغوطات والتدخل الأجنبي في ظل عالم يتميز بهيمنة الدول المتقدمة، ومؤسساتها المالية الدولية، ومع تنامي ظاهرة العولمة بمكافحة أوجهها فإن من المتوقع تسارع عملة رأس المال واحتواء الشركات متعددة الجنسيات، مصير الخطط الإنمائية، إذ يصبح خطر فقدان بعض السيادة السياسية لدولة في تزايد، فلقد تم التدخل من طرف المؤسسات المالية الدولية في بعض القضايا المتعلقة بالسيادة من خلال الالتزام باتفاقيات وبرامج الإصلاح الاقتصادي من طرف البلد المدين وهكذا تكون التبعية في القرارات والموافقات التي تتبناها الدول المتقدمة في هذا الشأن ومن أمثلة الآثار السياسية:
عدم الاستقرار السياسي الذي يغرسه تعاقب العديد من الحكومات الجزائرية في ظرف وجيز لتنظيم العديد من الانتخابات التي التهمت قسط وفير من ميزانية الدولة.
انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم، إذ لم يكن الشعب طرفا في القرارات المتخذة، بل كان دائما هو الذي يدفع ثمن هذه القرارات.

المطلب الثالث: مجهودات الجزائر من أجل حل الأزمة
تعتبر الجزائر من بين أكثر الدول معانات من أزمة المديونية الخارجية التي خلفت آثار وخيمة على مختلف الأصعدة، الأمر الذي وضع الدولة الجزائرية أمام ضرورة ملحة لإيجاد حلول مختلفة، إذ لم تكن نهائية لهذه المعضلة، التي باتت تهدد كيانها، وسنحاول هنا توضيح الحلول التي بادرت الجزائر باتخاذها :
أولا: سياسة تخفيض النفقات العامة والقرض مقابل الذهب
1-سياسة تخفيض النفقات العامة:
أمام تزايد الديون الخارجية للجزائر، وما ترتب عنه من عبء الإيرادات من العملة الصعبة للبلاد حاولت التخفيض من هذا الوضع بتطبيق سياسة انكماشية تهدف إلى إجراء تخفيض معدل النمو الإجمالي للنفقات العامة وهذا لتقليص عجز الميزانية، وتقييد الواردات وقد صاحب هذه المحاولات انخفاض أسعار النفط، والذي يمثل 97% من الصادرات وانخفض معدل الطلب إلى 38% سنويا مابين سنة 1981 و1985 مقارنة ب 8.1% للفترة 1976 وقد خلفت هذه المحاولة آثار سلبية منها انخفاض نسبة الاستثمار إلى إجمالي الناتج القومي من 39.1% إلى 29.7% خلال 1983-1986، وتجدر الإشارة إلى أنه رغم تجميد الجزائر عملية استدانتها ارتفعت نسبة خدمة الدين بشكل كبير نظرا لضعف الصادرات وانهيار سعر النفط سنة 1986.
2-سياسة القرض مقابل الذهب:
إن عملية تعريف "سواب" "Swap" هي تقنية مالية تستخدمها البنوك المركزية لبيع الذهب وشرائه بالعملة الصعبة وتوجد حاليا ثلاث بورصات دولية متخصصة فيها تسمى "بورصة الذهب" هي بورصة نيويورك وتحتكر 90% من عمليات التبادل، ثم بورصة لندن ثم بورصة زيوريخ وعملية "سواب" هي عملية رهن، أو بيع الذهب إلى أجل بالعملة الصعبة، وتلجأ إليه الدولة التي تعاني ضائقة ماليو وكذا النقص في احتياطها من العملة الصعبة، حيث تقرض كمية من الذهب مقابل الحصول على الدولار الأمريكي بالسعر السائد في السوق، بعد اقتطاع سعر الفائدة المتفق عليه عن مدة استرجاع الذهب، وإذا لم يتقدم المالك الأصلي لذهب لتسديد القرض المتحصل عليه، فإن ملكية الذهب يتغير صاحبها.
ولقد عرفت الوضعية المالية للجزائر سنة 1985 انخفاضا مستمرا من حيث احتياطها من العملة الصعبة حيث وصلت في أوت 1990 إلى 425 مليون دولار أي ما يقابل تسديد حاجات البلد إلى الواردات لمدة أسبوعين فقط ليبلغ في نهاية 1990 730 مليون دولار وهو ما يغطي حاجات البلد إلى 27 يوما، وبالتالي اضطرت الحكومة للقيا بعملية "سواب" عام 1990 للحصول على قروض في بورصة نيويورك برهن الذهب وكانت الكمية المعروضة خلال الفترة من أوت 1990 إلى ماي 1991 هي 760ألف أوقية ذهبية أو ما يعادل 7900 سبيكة ذهبية ذات 100 أوقية ذهبية لأن مخزونها الذهبي كله من هذا النوع.
ثانيا: سياسة التمويل الخارجي المباشر لاستثمارات:
إن صيغة التمويل الخارجي المباشر لاستثمارات هي الوسيلة المحببة لدى كل الحكومات لوضع الإغراءات الأزمة ونصوصها التشريعية والتنظيمية من أجل جلب أكبر عدد ممكن من رؤوس الأموال الأجنبية غير أن القطاع الوحيد الذي يستقطب اهتمام الشركات الأجنبية هو قطاع المحروقات باعتباره ثروة معتبرة سواء من ناحية البترول أو الغاز إلا أنه يعتبر مصدر تحول استراتيجي لتنمية قطاعات إنتاجية أخرى وقد عرف قطاع المحروقات ثلاث محاولات من التوظيف لفك عقدة المديونية:
المحاولة الأولى:محاولة حكومة " حمروش" بيع مسبق للبترول والغاز، للحصول على قروض متوسطة وطويلة الأجل لكنها لم تتوقف إذ حصلت في الواقع على قروض قصيرة المدى 9 أشهر إلى 15 شهر لمواجهة متطلبات السوق من مواد استهلاكية والتي وصلت إلى آجال استحقاقها سنة 1990 هذا ما زاد من عبء الديون من 2 مليار دولار إلى 4 مليار دولار.
المحاولة الثانية: محاولة وزير المالية في حكومة "حمروش" السيد غازي حيدس التي أحيطت بالسرية التامة بمنح ثروة البترول كضمان لدى المؤسسات المالية الدولية، مثل بنك التنمية والتعمير، الذي وافق على إعطاء الجزائر قرض بقيمة 100 مليون دولار أمريكي مع قرض من الحكومة الفرنسية بقيمة 7.7 مليون دولار ممولة من شركة "طوطال" البترولية سنة 1991 وهذا الاتفاق هو الذي مهد لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والمبرم في 3 جون 1991 حصلت الجزائر بمقتضاه على قروض بقيمة 300 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة لتمويل ميزان مدفوعاتها.
المحاولة الثالثة: قادها رئيس الحكومة السيد" أحمد غزالي" الذي قام بتعديلات على القانون الخاص بالمحروقات لسنة 1986، حيث اشترط دفع حق الدخول في الحقول المستغلة والموجودة في "حاسي مسعود" من قبل الشركات الأجنبية التي ترغب في الاستثمار فيه على أن تسترده مستقبلا من الإنتاج وعموما كان إقبال الشركات الأجنبية على الاستثمار ضعيفا باستثناء قطاع المحروقات الذي أبرم 26 عقدا مع الشركات الأجنبية .
ثالثا: إعادة جدولة الديون الجزائرية
في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي، أوقفت الجزائر تسديد خدمات ديونها وبدأت المشاورات مع صندوق النقد الدولي حيث تم توقيع على اتفاقية "Stand Bay" في أفريل 1994 والذي ظهر في شكل برنامج لاستقرار الاقتصادي، يمتد على نحو سنة وقد احتوى هذا الاتفاق على بعض الإجراءات على مستوى الاقتصاد الكلي، يتعلق الأمر أساسا باستمرار تحرير التجارة الخارجية، إعادة توازن الأسعار النسيبة، وتبني ساسة نقدية صارمة.
وقد منح للجزائر قرض بقيمة 300 مليون وحدة حساب وزعت على أربعة أقساط وقد تم في إطار هذا الاتفاق جدولة 15 مليون دولار أي بما يعادل 60% من مجموع الدين الخارجي وفي 21 جويلية 1995 وقعت الجزائر اتفاق في إطار نادي باريس يضم تسع اتفاقيات ثنائية لإعادة الجدولة على أن يكون المبلغ الكلي للديون المجدولة 7 مليار دولار، وأول تسديد يجب أن يكون في نهاية 1999 و الدفع يكون تدريجيا من خلال 25 سداسي وقد أرفقت إعادة الجدولة بوضع برنامج لتصحيح الهيكلي من أجل إنعاش الاقتصاد وذلك تحت مراقبة صندوق النقد الدولي، وبرنامج إعادة هيكلة مع البنك الدولي للإنشاء والتعمير، يعتبر هذا ضمان لاستعمال المواد المحررة عن إعادة الجدولة بصفة عقلانية أي ليس لتسديد نفقات الاستهلاكية على حساب الاستثمار ولقد لجأت الجزائر إلى إعادة جدولة ديونها من أجل منح بعض الوقت وإعطائها فرصة القيام بتصحيحات هيكلية للنهوض بالاقتصاد الوطني وتحسين أوضاعها الداخلية. 

هناك 6 تعليقات: